قصة آلة تجهيز مشروب القهوة السريع

كنت، أيام لم أربط اتصال الإنترنت بالمنزل، من مرتادي قاعة إنترنت مميزة في وسط المدينة، وما كان يميزها عن نظيراتها إتساع مساحتها والنظام والهدوء والخدمات المرافقة التي بها, حيث خصصت فيها قاعة انتظار مجهزة بأرائك فاخرة مريحة وجهاز تلفزيون تطل علينا منه القنوات الفرنسية, وكان بالجانب ثلاجة بها مشروبات متنوعة وتقف أمامها سلل حملت علب بسكويت وكعك وأكياس الشيبس, ولازلت أتذكر ذوق القهوة التي كنت أجلبها من آلة تجهيز مشروب القهوة السريع التي كانت تتوسط القاعة... ما أجمل أن تضغط زرا فيخرج لك قدح قهوة ساخنة :)

هذه العبارة قالها لويد ريد في الماضي حين تمنى وجود آلة تجهز له القهوة بشكل سريع، ولكنه لم يبق حبيس التمني بل عمل هو وزميله سيروس مليكيان على تجسيد هذا التمني وجعله حقيقة, وبفضلهما كنت أستمتع باحتساء القهوة الساخنة هناك في قاعة الإنترنت وأنا أتجول بين مواقع الويب.

قصة اختراع هذه الآلة بدأت أيام الحرب العالمية الثانية، ففي إحدى الأمسيات توجه هاذان الزميلان الضابطين بسلاح الطيران إلى الحانوت لتناول قدح قهوة, لكنهما وجداه مغلقا، فاضطرا للبقاء ريثما شربا مشروبا باردا من آلة البيع... وهنا قال ريد العبارة وهو مستغرق في تأمل حالم: "ما أجمل أن تضغط زرا فيخرج لك قدح قهوة ساخنة ! "

كانت هذه هي بداية التفكير الجاد لريد ومليكيان لإعداد آلة لصنع القهوة على ذلك النحو ذاته الذي تمناه ريد... وقد نجح الشريكان بالفعل في تحقيق حلمهما البعيد, وصارا يملكان كبرى الشركات الأمريكية لتصنيع آلات تجهيز مشروب القهوة السريع وهي ما تعرف باسم "كويك كافيه".

وترجع الخطوة الأولى نحو هذا العمل الرائع إلى سنة 1944 حيث اشترى ريد وميلكيان آلة تدار بالفحم الكوك قديمة مستهلكة، ثم التقطا أجزاء طائرة وسيارة من مستودع لبيع المخلفات، وشرعا في وقت فراغهما في العمل على إجراء تجارب لابتكار آلة تصنيع القهوة.
ولما تم تسريحهما من الخدمة العسكرية في سنة 1946, صار لديهما متسع من الوقت... واستطاعا ادخار مبلغ من المال لإكمال المشروع. وفي السنة نفسها كانا قد انتهيا من إعداد الآلة على أكمل وجه... وقاما بتجربتها بنجاح علنا ولأول مرة أثناء مباريات كرة القدم بفيلاديلفيا.

أجرى الشريكان بعد ذلك العديد من التطويرات على ابتكارهما، وأهمها تلك التي جاءت بعد ملاحظتهما أن مسحوق البن الذي يستخدم في الآلة لم يكن يحتفظ بتماسكه, وقد دعا ذلك إلى إعداد خلاصة مركزة من البن تختلط بالماء الساخن داخل الآلة عند إعداد كل قدح أولا بأول. وكانت هذه الخلاصة تصنع من خليط البن العربي واليمني وأنواع عديدة أخرى مستوردة من أمريكا الجنوبية... ولكن الشريكين قررا الاحتفاظ بسرية تركيب هذه الخلاصة.

رغم أن الشريكين عزما على إدارة وتوريد هذه الآلة بالإضافة إلى تصنيعها، لكنهما عدلا عن ذلك لقلة رأس المال وآثرا نظام التوزيع عن طريق العملاء والموزعين.

الشركة كبرت وكبرت بسبب حسن الإدارة وعامل الدعاية التي اعتمدت على جميع وسائل الإعلان، وهذا ما أدى إلى توسع نشاط الشركة فقد تطورت من اعداد آلات للقهوة العادية إلى إعداد نوعيات أخرى لعمل القهوة بالقشدة، والقهوة المحلاة بالسكر, بالإضافة إلى أنواع أخرى من المشروبات مثل عصير البرتقال والشوكولاطة.

أما الأمر الذي زاد من انتشار الآلة بين المكاتب والمتاجر والمطاعم والنوادي، وبالتالي تضاعفت أرباح الشركة، هي تصنيعها بحجم أصغر وبموديلات متنوعة.

كانت هذه قصة آلة تجهيز مشروب القهوة السريع، والتي عثرت عليها في كتاب قديم للدكتور أيمن أبو الرّوس تحت عنوان "كيف تصبح مليونيرا؟!"، كانت بدايتها تمني فعزم فعمل فتحقيق نجاح :)

هناك 4 تعليقات:

  1. أشكرك على مشاركتنا الفائدة، و هذه القصة الملخمة !

    ردحذف
  2. السلام عليكم أخي معمر..بادي ذي بدء اشكرك على المدونة الاكثر من رائعة وانا من اشد المعجبين بما تكتب ورغم بساطت قالبك الا ان مواضيعك قيمة وقد أفادتني كثيرا..عندما ولجت لعالم التدوين كنت دائما ما أسمع عن مدونيين متألقين وكتاب مهرة ولاكن عندما أدخل الى مدوناتهم أجد بها الغث والسمين والصفة المشتركة التي تجمهم بحثهم عن الشهرة وجلب الاضواء!!أما انت مواضيعك وكتاباتك هي التي تقيمك.لأني لست اهل لتقييمك فأنا مجرد مدون هاوي لست كتابا ولم تكن لدي توجهات ادبية الا ان هناك بعض الافكار المحبوسة في صدري أردت ها أن تخرج للملاء لتعبر عم يجول في خاطري ولهذا السبب تم انشاء المدونات..تحياتي

    ردحذف
  3. ~

    قصة جميلة تبعث على التفائل . .

    شكرا لـ هذه التدوينة الرائعة . .

    ~

    ردحذف